– وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي
– “الخطة ب” : استهداف البنية التحتية.!
تشهد الحرب في السودان تطورات خطيرة تكشف عن تحول استراتيجي في تكتيكات مليشيا الدعم السريع ، التي لجأت إلى استخدام الطائرات المسيّرة لاستهداف البنية التحتية الحيوية بعد تكبدها خسائر ميدانية كبيرة أمام الجيش السوداني . هذا التحول الذي يمكن وصفه بـ”الخطة ب” يعكس محاولة المليشيا الالتفاف على الفشل العسكري عبر تصعيد الهجمات على منشآت مدنية وخدمية تشكل عصب الحياة اليومية للسودانيين ، في محاولة لزعزعة الاستقرار وإرهاق الحكومة سياسياً واقتصادياً .
خلال الأيام الماضية شنت المليشيا سلسلة هجمات استهدفت منشآت الكهرباء الرئيسية ، بما في ذلك سد مروي الذي تعرضت محطة توليد الكهرباء والمحولات فيه لأضرار كبيرة ، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن ولايات رئيسية مثل الخرطوم وبورتسودان . كما استهدفت محطة كهرباء الشوك التحويلية في ولاية القضارف ، مما تسبب في انقطاع كامل للكهرباء عن ولايات القضارف وكسلا وسنار . لم تسلم المحطة التحويلية للكهرباء بخزان سنار من محاولات الاستهداف ، حيث تمكنت المضادات الأرضية من التصدي للهجوم ، بينما أدت الهجمات على محطة كهرباء دنقلا التحويلية إلى انقطاع كامل للكهرباء في المدينة . ولم يقتصر الأمر على ذلك ، إذ تم استهداف خط الكهرباء الناقل بين مروي والمرخيات ، علي أثر ذلك تعطل امداد محطة مياه المنارة ، متأثرة بتعطل امداد الكهرباء مما حرم مئات الآلاف من مياه الشرب ، مضيفاً معاناة إضافية للمواطنين .
إن استهداف البنية التحتية المدنية يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ، وخاصة المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 التي تحظر الهجمات على الأعيان المدنية. كما يُعد هذا النهج جريمة حرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي . ولكن رغم خطورة هذه الانتهاكات فإنها تعكس ضعفاً استراتيجياً لدى مليشيا الدعم السريع وفقدانها للبوصلة وأنها علي وشك الانهيار ، بعد أن لجأت إلى تكتيكات الهجوم على المدنيين والبنية التحتية بعد عجزها عن تحقيق مكاسب ميدانية . هذا التكتيك يكشف عن محاولة المليشيا تحقيق مكاسب سياسية عبر إرباك الحكومة وزيادة الضغط الشعبي نتيجة تعطل الخدمات الأساسية أو ربما الضغط علي الحكومة للذهاب إلى تفاوض تريد العودة من خلاله للسلطة من جديد ، بالرغم من أن الشعب السوداني وحكومته قد طويا ملف المليشيا للأبد .
لكن الواضح أن هذه التطورات تطرح تحديات أمنية كبيرة أمام السودان ، خاصة في ظل تصاعد تهديدات الطائرات المسيّرة . ورغم امتلاك بعض المنشآت لأنظمة دفاع متطورة مثل سد مروي ، إلا أن الهجمات الأخيرة تكشف عن ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية ، بما يشمل أنظمة التشويش المتطورة والمضادات الأرضية الأكثر كفاءة . كما يتطلب هذا الوضع تعاوناً إقليمياً ودولياً لضبط مصادر الإمداد التي تحصل منها المليشيا على التقنيات المستخدمة في هذه العمليات ، إلى جانب تعزيز المراقبة الحدودية والجهود الاستخباراتية .
من جهة أخرى فإن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الهجمات تزيد من عمق الأزمة السودانية . البنية التحتية المستهدفة تشكل شريان الحياة للزراعة والصناعة والخدمات ، ما يجعل استهدافها سبباً في تعميق الأزمة الاقتصادية . انقطاع الكهرباء عن مدن رئيسية يؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي والصناعي ، ويضاعف من تكلفة المعيشة بالنسبة للمواطنين . وفي ظل هذا الواقع تصبح محاولات تعافي السودان من الحرب أكثر صعوبة ، خاصة أن مثل هذه الهجمات تؤدي إلى إبطاء مشاريع التنمية وإضعاف ثقة المستثمرين والمجتمع الدولي في استقرار البلاد .
على الصعيد الدولي جاءت العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو وشبكاته المالية كجزء من الجهود الرامية لتقويض قدرات المليشيا وتجفيف مصادر تمويلها . هذه العقوبات التي استهدفت شركات تابعة للمليشيا في الإمارات ودول أخرى ، تمثل خطوة مهمة نحو تقليص قدرتها على تمويل عملياتها التخريبية ، بما في ذلك الهجمات بالطائرات المسيّرة . وتظهر هذه العقوبات أن المجتمع الدولي بدأ يأخذ على محمل الجد التهديدات التي تمثلها هذه المليشيا على استقرار السودان والمنطقة .
في السياق اقترح المهندس محجوب عيسى المدير العام السابق لمحطة التوليد بسد مروي ، حلولاً تقليدية لحماية المحطات الكهربائية ، تعتمد على أعمدة خرسانية أو حديدية مع أسلاك شائكة ، كما نجحت في السعودية . ودعا الغرف التجارية واتحادات الزراعة والصناعة والمحليات للمشاركة في تنفيذها لخفض التكاليف وحماية المحطات من الهجمات .
إن إنهاء الحرب في السودان واستعادة الاستقرار يتطلب جهوداً شاملة على المستويين العسكري والدبلوماسي . يجب على السودان تعزيز قدراته الأمنية والعسكرية للتصدي لمثل هذه الهجمات ، مع مواصلة الجهود لعزل المليشيا دولياً ومحاسبتها على الانتهاكات التي ترتكبها بحق الشعب السوداني . كما أن إعادة بناء البنية التحتية التي تضررت خلال الحرب تتطلب دعماً دولياً وإقليمياً لضمان تعافي السودان ومساعدته في تجاوز هذه المرحلة الحرجة . هذا يقودنا إلى الحديث في مقال قادم عن المؤتمر الدولي لأعمار السودان الذي يجب أن تلزم به كافة الدول التي يثبت ضلوعها في اشعال هذه الحرب .
هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن استمرار المليشيا في استهداف البنية التحتية لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة الشعب السوداني وتعطيل مساعي السلام والتنمية . الحرب لم تعد مجرد صراع عسكري بل أصبحت تهديداً شاملاً لمستقبل السودان واستقراره . لذا، فإن حسم هذا الصراع وفقا لتقديرات الجيش السوداني ضرورة حتمية لحماية الوطن والمواطنين وضمان مستقبل أكثر إمنا للسودان . مع أهمية أن يتوحد السودانيين جميعا دون إقصاء للعبور ببلد موحد إلى اليوم التالي من الحرب .
دمتم بخير وعافية .
الثلاثاء 21 يناير 2025م Shglawi55@gmail.com