مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي . حرب السودان في إنتظار البروجي؟!.

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي .

حرب السودان في إنتظار البروجي؟!.

“هل فعلاً ستنتهي الحرب في مارس القادم ، كما أعلن الجنرال مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة؟”

سؤال بسيط ، لكنه يحمل بين طياته تعقيد المشهد السوداني . عندما طرحه عليَّ أحد الأصدقاء، كان يستمد صدقه من واقع سوداني أنهكته الحرب ، وحلمٍ عالق بالسلام المنتظر . إجابتي له والتي أشارككم إياها هنا ، لم تكن سوى انعكاس لحقيقة واضحة : الحرب لن تنتهي بتصريحات سياسية أو توقعات إعلامية ، بل بقرارات حاسمة تُرسم في الميدان لذلك تصريح مالك عقار فتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مدى واقعية هذا السيناريو ومدى ارتباطه بالمعطيات العسكرية على الأرض ، حيث يعتمد الجيش السوداني بشكل واضح على الحسم العسكري . الذي يكمن في فك الحصار عن سلاح الإشارة وقيادة الجيش ، لإعادة السيطرة الكاملة على البلاد حيث يشكل هذا الحصار تحدياً مباشراً حول تنسيق العمليات وإدارة المعارك أو حتي للذهاب في تفاوض .

مع ذلك، فإن إنهاء الحرب لا يرتبط فقط بالتفوق العسكري، بل بتوافر إرادة سياسية لإعادة صياغة المشهد الوطني . في ظل غياب توافق سياسي شامل واستمرار التدخلات الإقليمية والدولية ، تبدو التصريحات التفاؤلية أقرب إلى رسائل تكتيكية منها إلى مؤشرات على واقعٍ مُرتقب . من غير المتوقع ، بل ومن غير المنطقي أن يلجأ الجيش إلى التفاوض قبل فك الحصار عن هذين المعقلين الاستراتيجيين . الحصار المفروض منذ بداية المعارك بات يشكل عقبة رمزية وعملية ، مما يعزز ضرورة تحقيق اختراق ميداني يمهد الطريق لإنهاء الحرب .

لذلك علينا أن نعلم في أدبيات الجيوش هناك حدود لا يمكن التنازل عنها ، وقيم لا تخضع للمساومة ، وعلى رأسها رمزية المقار العسكرية . هذه المواقع ليست مجرد منشآت عسكرية، بل هي عنوان لسيادة الدولة وهيبة الجيش. من هنا ، يصبح فك الحصار المفروض على هذه النقاط مسألة وجودية للجيش السوداني . لذلك الحرب التي بدأت بحصار القيادة العامة ، يبدو أنها تسير نحو نهايتها بالمسار نفسه : عبر فك الحصار واستعادة السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم . ما يضيف بعداً كبير لهذه المعركة هو أن القيادة العامة ، بما تحمله من رمزية باتت نقطة اختبار لصمود الجيش وإصراره على إنهاء التمرد بشروطه الخاصة ، بعيداً عن الضغوط الدولية .

عليه فإن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش في بحري وشمبات تحمل دلالات استراتيجية كبيرة . التحول نحو تكتيكات أكثر مرونة تعتمد على المشاة المدعومة بالمسيرات والضربات الاستباقية لإمداد العدو وتحييد القيادات والقدرات ومنظومة الاتصالات ، يظهر وعياً عسكرياً بالتعامل مع طبيعة القتال في حرب المدن . انسحاب المليشيا من مواقع استراتيجية ، مثل شارع المعونة والختمية ، ليس فقط انتصاراً ميدانياً ، بل مؤشر على تراجع قدرتها على الصمود أمام ضربات الجيش المتتالية .

هذه الانسحابات، مقترنة بالتقدم الواضح في محاور عدة ، خاصة باتجاه معسكر سلاح الإشارة وربطه بالقيادة العامة ، بجانب تقدم سلاح المدرعات وانفتاحه في حدود المسؤلية ُتظهر أن الجيش بات يتحرك وفق خطة مدروسة ، تهدف ليس فقط إلى تحقيق مكاسب ميدانية ، بل إلى إعادة تشكيل الخريطة العسكرية والسياسية للحرب .

أيضاً تصريحات مالك عقار حول العقوبات الأمريكية ، ووصفها بالكيدية تُبرز بعداً آخر من الصراع وهو التدخل الدولي وتأثيره على مسار الحرب. السودان ، الذي يعاني من إرث طويل من العقوبات منذ عام 1999، بات يُدرك أن هذه الضغوط ليست سوى أداة لتفكيك تماسك الدولة وإضعاف موقفها التفاوضي . لكن تصريحات عقار التي تدعو الشعب للتماسك، تُظهر وعياً بضرورة استثمار هذه اللحظة الحرجة لتعزيز الوحدة الوطنية وتجاوز الخلافات السياسية ، بعيداً عن الاستقطابات الداخلية أو الخارجية .

كذلك اعتراف عقار بوجود تجاوزات خلال الحرب يُضيف بعداً من المصداقية ، ويُذكر بأن الحروب مهما كانت أهدافها ، يقودها بشر وليس ملائكة . هذا الاعتراف يُمكن أن يُشكل أساساً لبناء مصالحة وطنية مستقبلية، إذا ما تم التعامل معه بجدية ومسؤولية .

علي ضوء ذلك فإن السيناريوهات المستقبلية تظل متأرجحة بين الحسم والتسوية هذه الفرضيات يمكن تقديمها كالآتي : حسم عسكري كامل بما يعني أن الجيش يواصل تقدمه ويستعيد السيطرة الكاملة على العاصمة والمواقع الاستراتيجية ، مما ينهي الحرب بشروطه.

الثانية تفاوض مشروط : في حال تحقيق انتصارات ميدانية كبرى ، قد تُفرض شروط تفاوضية جديدة تضمن إنهاء الصراع مع الحفاظ على وحدة الدولة . دون الخضوع للابتزاز الإقليمي والدولي . الثالث إستمرار الحرب لأجل طويل في حال استمر الدعم الخارجي لمليشيا الدعم السريع ، قد تتحول الحرب إلى استنزاف طويل ينهك جميع الأطراف هذه الفرضية بالنظر إلى الاتجاه الإقليمي والدولي الداعي لإنهاء الحروب في المنطقة يصبح مستبعدا لكنه يحتاج الي واقع عملياتي جيد علي الارض .

رغم التصعيد الميداني، يظل الأمل قائماً في أن تُفضي هذه الحرب إلى سلام مستدام . لكن هذا السلام لن يتحقق دون معالجة جذور الأزمة التي قادت إلى الحرب ، سواء كان ذلك عبر بناء دولة القانون، أو تعزيز المشاركة السياسية بما يشمل جميع السودانيين .

من واقع هذه السرديات فإن الشعب السوداني بات يترقب صوت الآلة النحاسية المنبعثة من ذلك الجندي كأنما يطلب من التاريخ الانحناء . البُروجي الذي يرتفع فوق سارية القيادة العامة للجيش ، ليس مجرد إعلان رسمي لنهاية الحرب ، بل هو تجسيدٌ لمعركة طويلة انتصر فيها الوطن على المؤامرة ، وصاغ عبرها جيشه ملحمة كرامة تستحق أن تُخلَّد . إنه صوت تتردد أصداؤه عبر التاريخ والجغرافيا ، عابراً النيل إلى كل بيت سوداني، ليخبر الجميع أن الوطن عاد موحداً ، وأن الراية ستظل مرفوعة تحكي عن عظمة اهل السودان الذين أفشلوا أكبر مؤامرة في تاريخهم الحديث .تلك هي الإجابة وذلك هو وجه الحقيقة .
دمتم بخير وعافية .
الأربعاء 22 يناير 2025م. Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى