
الخضراء الغرة خُضبت بالأحمر و …عادت
حسام الدين محجوب على
الخضراء الغرة الحنينة عادت لحضنها ، مغبرة مخضبة بحّمارٍ روى تربتها الداكنة بسحب شتاء محملة بأرواح شهداء اقسموا ان تعود خضراء ، بوعد أبنائها الذين اقسموا لهم ان يعيدوها سلال غذاء بعد ان كسرت اقدام نجس السلة التى كانت .
تعجب كثير من شعوب العالم من فرح السودانيون بعودة الجزيرة لاهلها ، لسودانها ، لشعبها ، لكنّ السودانيين لم يتعجبوا بل تعجبوا ممن تعجب لأن المتعجب لا يعلم ماهية الجزيرة ، فالجزيرة هى السودان كله بسحناته و لكناته و إثنياته و قبائله و و و .
الجزيرة عماد اقتصاد البلاد و خزان غذائه الآمن منذ الربع الأول من القرن الماضى . فى هذا القرن صار الغذاء و المياه مصدر للأمن الغذائى للدول ، بسبب المياه نشبت حروب بين دول و بسبب الغذاء تصارعت أمم ، إلا السودان قبل الحرب لم يحارب من اجل غذاء او ماء ، انتشرت دعايات المنظمات الدولية و تسولوا لجمع الأموال لأزمات الغذاء و المجاعات فى السودان ، لكننا كنا نرى و نعلم كسودانيين هذه الأموال بعضها ياتى فى سلال غذاء تباع فى الأسواق ببخسٍ او تذهب لشراء الأسلحة للمليشيات لتغذية حركات التمرد و شراء ذمم العملاء لضمان استمرارية عمل هذه المنظمات ، حتى فى دارفور و كردفان كانت المنظمات تعمل جاهدة لتجويع من ادخلوهم فى معسكرات شيدوها ، لم ينصبوها ، لها صفة الديمومة و عملوا على خلق كيانات كسروا فيها الرغبة فى العمل و الإنتاج و صار اعتمادهم على ما يجودون به من غذاء و ماء لهم و كانت تجارتهم الصور و المواد الإعلامية التى نشروها فى كل العالم إثباتاً لحوجة لا حاجة لها فى السودان . من غرائب الزمان ان الإنتاج فى ايام الحرب هذه كان وفيراً و لكن تعامى الكل ، إلا السودانيون ، عنه لاطالة امد الحرب . طوال الفترة الماضية من الحرب كانت حجة أغذية المعونات هدفاً فى حد ذاتها لتأمين شريان إمداد المليشيا الارهابية و اثبتت ذلك تقارير عدة لمنظمات و دور إعلام و بحث و أناس قيضهم رب العرش لفضح فرية حوجة المواطن السودانى للغذاء و الماء و غيرها من المآرب السياسية لمجموعات العملاء و تجار السياسة و مدعى النخبوية .
عادت الجزيرة و لا فضل لمنظمة او نخبة فى عودتها ، عادت بفضل الله و جيش السودان بكل تشكيلاته العسكرية و قواته النظامية و دعائمه المقاومة ، عادت بارواح بذلت رخيصة فى سبيلها ، استرخصوها من بذلوها و لكنها أغلى من ان تقيم عندنا ، عادت بجروح رجال نسأل المولى لهم عاجل الشفاء و السلامة ، عادت بتضحيات نساء شرفوها بما بذلوا و حافظوا ، عادت بشباب شابوا قبل أوانهم حملوا الغالى على اكفهم ، عادت برجال سعوا مخلصين لمد هؤلاء الفرسان بمعيناتهم و اعدوا لهم ما ارهبوا به عدو الله و عدوهم ألذى هو عدونا .
عادت الجزيرة بعون الله و رجل و شعب عاهد أهل السودان بمدهم بالغالى و النفيس لدحر العدوان و صون البلاد بلا ثمن او شرط و كانت الجزيرة اول الغيث . رجل احب السودان و قد احبه و سيحبه السودان ، سألناه من الجزيرة كصديق نعتز به فاجاب كزعيم و لم يتكرر الطلب و لم يتوقف الفيض ، لكل السودان من الخرطوم للفاشر و من الكرمك لشندى ، رجل و شعب كفانا شر البحث و ال…..بحث .
عادت الجزيرة ففتحت أبواب الخرطوم و حصنت الفاشر و أمنت سهول و فيافي و ضروع النيلين الأبيض و الازرق فنام أهل الدندر و غمضت أعين أهل الدمازين و ناظر أهل الدويم القادم بأمل لا يقل عنه أمل أهل الكوة و القطينة و جبل أولياء .
عادت الجزيرة فارتعدت فرائض المرتزقة فى الخرطوم بوسطها و شرق نيلها و هلل فرسان السودان فى الخرطوم و عرضوا و دقوا الأرض بجلالاتهم قبل ان تصول بها الحلوق و يصرصر السلاح ايذاناً بقرب التطهير .
عادت الجزيرة و كثر العواء و النبيح من كل قبيح ، ازبد زعيمهم الصغير بسباب رجال لا يليق إلا به و صمت صغيرهم الكبير إلا من بعض أبواق إعلامية يحتضنها ليوم ضراء من الحنكة ألا يترجاه .
الألم يعتصر الكل و الفقد جلل و الجريمة نكراء ، لكن العزة فخر و الكرامة لمن يستحقها، نقولها بالصوت العالى لا للحرب ، كلمة لا نتاجر بها و لا نتسولها و لن ينالها إلا من قصدها و قد قصدناها فعلاً و بذلاً و دماء . لا للحرب ، فقد خبرناها قرابة العامين ، أخذت دهور من أعمارنا و عمر أسلافنا ، لا لحرب قضت على أخضرنا و دنست ترابنا ، لا لحرب هتكت عروضنا و نفقت ضروعنا ، لا لحرب لن نذيقها باذنه تعالى لأجيالنا القادمة بنصرنا فيها . لا للحرب التى فرضت علينا ، لا يهم من أطلق الرصاصة الأولى ، فالمهم أنها حرب بين شعب و مرتزق ، بين مواطن و مستوطن و لن تعود ، فالشعب لا يهزم و المرتزق لن يسود . لا للحرب التى لن تخيفونا بها ، فقد أنهكتنا و لكنها لم و لن تهلكنا باذنه تعالى . لا للحرب التى ان لم ننتصر فيها سنكون مرتعاً و مشاعاً للقريب قبل الغريب إلى ان تقوم الساعة ، لا للحرب التى يتباهى بدمارنا فيها المرتزق و سيده ليل نهار ، لا لحرب بدأتموها فى بلادنا و لكن نهايتها لن تكون فى سوداننا و سيرى العالم النهاية ، و هى ليست فى سوداننا كما وعد المهّال الما همّال و كما لم تكن كلمتكم القاضية فى سوداننا لن تكون فى سواه ، فكلمتنا هى الماضية فى سوداننا .
مدنى حققت الرجاء و بعثت الأمل و ردت الأنفاس و أوقفت الدموع ، عاد السودان …. عادت الجزيرة …