
*إتجاهات*
*~بابكر بشير~*
*الحركة الشعبية.. و اللعب في مساحات الفوضي*
مع غياب المشروع و الرؤية الوطنية منذ إستقلال البلاد، لا زالت النخب السياسية السودانية تمارس نرجسيتها و تخبطها عبر قرارات غرائبية كارثية خلال تاريخها السياسي اغلبها تخالف لوائح دساتير و نظم مؤسساتها.
قرارات تمضي بعكس اشواق و اتجاهات عقارب ساعة منتمي عضويتها. والناظر في ذاكرة السياسة السودانية منذ الإستقلال حتى اللحظة يلحظ بجلاء أخطاء ظلت ملازمة للفاعلين السياسين، الذين طالما تصدروا المشهد السياسي في بلادنا و تعاطوا مع المشكل السوداني.
و تبرز في مقدمة هذه الأخطاء الإستقواء بالقوى الخارجية للدول العظمى و الأدنى في آن واحد، دون التحلي بأدني مسؤولية و بالروح و الحس الوطني، لصالح الإمبريالية الغربية و ذيولها من دول القارة و الإقليم الذين يعملون على إذكاء و تغذية نار الفتنة و الدمار من أجل تفكيك عري وحدة الدول و إضعافها لتسهيل عملية السيطرة.
في الأسابيع القليلة الماضية قامت الحركة الشعبية – شمال – جناح الحلو بخطوة وصفت بالسوداوية من قبل المتابعين و سكان الإقليم، تتمثل في توقيع ميثاق “نيروبي” المفضي لتكوين حكومة موازية لحكومة المركز، بالتعاون مع قوات الدعم السريع إلى جانب “المغضوب” عليهم من جهة أحزابهم “برمة الأنصار و غلام الميرغني و جوخة الهامش” زج الحلو بحركته و مضي بها نحو “التضاد” عبر هذا التحالف “الثعالبي”
ظلت الحركة الشعبية منذ تأسيسها في الثمانينيات تتشدق بالحقوق و مظالم السودانيين سيما أبناء جبال النوبة، و إنها تمثل التيار الثوري الأنجع للتصدى لكافة الإنتهاكات و العدائيات التي تجابه سكان المنطقة، كما صدرت نفسها في طليعة القوي السياسية الداعمة للحريات و العدالة و المساواة، الساعية لإزاحة كافة أشكال التمييز القائم على اساس (الدين و المعتقد و العنصر و اللون الخ..) “منفستو الحركة” بيد ان سلوكها و تصرف قاداتها تعكس خالف ذلك.
فى السابق رفضت الحركة الشعبية التعاطي و التعامل مع ما “أسمتهم” بالمنتهكين للحقوق الإنسانية و مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية و قتل المواطنين، و بغير المؤهلين لتحقيق السلام و بناء الدولة السودانية على أسس جديدة الخ.. كما جاء في بيانها ( بتاريخ ٢٠ أغسطس ٢٠٢٠م الخاص بإنسحاب وفدها التفاوضي مع الحكومة السودانية، الذي كان يقوده قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو) كيف لها !! ان تغير موقفها دون تقديم اي مسوغات أو مبررات تقنع بها الرأي العام و جماهيرها الممتعضة، لتأتي و تشارك نفس قوات آل دقلو نهجها و أهدافها البربرية، ما الذي تبدل؟! أليس هذا تناقضاً و خطلاً كبيراً في أفعالها ؟!
ما هو المنطق الذي جعل الد اعداءها على مر التاريخ، بإستطاعته تغير المعادلات و تحقيق أحلامها و طموحاتها السياسية العصية حين بُرهة. أليست الحركة هي من اعتبرت من قبل فضل الله برمة ناصر من جلب السلاح و سلح به عناصر الرحل ضد مكونات عرقية معينة في جنوب كردفان، إبان توليه منصب بوزارة الدفاع في حكومة الديمقراطية الثالثة، وأنه المتسبب الرئيس في التهجير القسري الواسع الذي إجتاح المنطقة. هذا السلوك و النهج المزدوج للحركة يعد في خانة العشوائية للتضارب الواضح بين الأفعال و الأقوال.
أعتقد ان تشرذم هذا التنظيم و اضمحلاله في السنوات الأخيرة يعود بشكل رئيسي إلى غياب الرؤية في إنزال أهدافها الإستراتيجية على أرض الواقع، فالحركة الشعبية بتصرفاتها الهوجاء تؤكد انها بلا هوية أو مضمون حقيقي، سوى هوية الحلو ذات المضامين اليسارية، فتجدها مرةً تتشدق بالعلمانية و تقرير المصير، و تارة أخرى تمضي مع اهواء رياح الراهن السياسي للقوى السياسية المتواجدة على السطح، الآن “صمود” و قبلها الجبهة الثورية المسلحة، كأنها تلعب في مساحات الفوضي.
إن العقبة الكبري التي تجابه التعقيدات السياسية بالسودان، تكمن بشكل أساسي في قادته و ليست في القوى الخارجية، لجهة تعاطيهم السمج و بلا أدنى مسئولية مع قضايا الوطن، ففي كل مرة تتهافت الأقنعة لتتكشف سواءات خياناتهم لشعوبهم بتصرفاتهم الرعناء، تبدلت نظريات الحروب القديمة في السيطرة على الدول، الى نظريات أكثر حداثة تستخدم فيها أدوات جديدة تتمظهر بصورة جلية في استغلال القادة السياسين و ادجلتهم لتسيهل عملية التطبع و من ثم التطويع دون أن يعي هؤلاء القادة ماهية ذلك.
مضى جنوب السودان بمخالب هؤلاء و الآن يعاد التدوير لتقسيمات أخرى تلوح في الأفق.