
بسم الله الرحمن الرحيم
*فخاخ ترامب: من سقط فيها و من سيسقط لاحقاً*
*بقلم المهندس—حسب الله النور*
منذ توليه منصب الرئاسة رسميًا في يناير/كانون الثاني الماضي، يتصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عناوين الأخبار والمقالات في وسائل الإعلام العالمية، لا سيما تداعيات السياسة والاقتصاد المتعلقة بأوروبا بشكل عام وأوكرانيا بشكل خاص، وكذلك حيال روسيا. كانت وما زالت هذه السياسات محط جدل واستنكار من عدة جهات، فقد درج هو ونائبه بشكل مستمر على الهجوم على الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، وفي المقابل التقارب مع روسيا في مقاربة غريبة من نوعها. حيث روسيا عدو الأمس مقابل دول الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا الحلفاء التقليديين. فكيف يمكن فهم هذه المفارقة؟
بالرجوع إلى السياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، نجد أن من ثوابتها إقامة الأحلاف لتنفيذ مخططاتها، كما هو الحال في حلف الناتو الذي كان موجهًا بالأساس ضد الاتحاد السوفيتي، وكذلك في غزوها لأفغانستان أو في حرب الخليج الأولى ضد العراق. وبالمقابل، كانت تسعى إلى عدم حدوث أي نوع من التقارب بين خصومها، خاصة الاتحاد السوفيتي “روسيا” والصين، فقد دعمت الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو ضد منافسه الكومينتانغ “الحزب القومي الصيني”، حسب تقارير الدبلوماسيين الأمريكيين وسياسة وزير الخارجية الأمريكي دالاس، وذلك لخلق رأسين متنافسين للشيوعية.
بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) عام 2001 بدعم أمريكي، شهد الاقتصاد الصيني طفرة هائلة، مما عزز قوتها السياسية عالميًا. وقد درجت أمريكا على دعم الصين لعدة عقود بشكل غير مباشر من خلال التبادل التجاري، والاعتراف الدبلوماسي، وعدم السعي لمواجهة مباشرة، ما يمنح بكين مساحة لتعزيز قوتها العالمية.
وعلى ذات النسق، أشعل الرئيس الأمريكي السابق بايدن الحرب الأوكرانية عندما رأى التقارب بين روسيا والاتحاد الأوروبي يزداد يومًا بعد يوم، فدفعت أوكرانيا لاستفزاز روسيا، مما حدا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتهام واشنطن بمحاولة استدراج موسكو إلى حرب في أوكرانيا. وأكد بوتين في تصريحات صحفية عقب لقاء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في موسكو أن الولايات المتحدة تتجاهل مخاوف روسيا بشأن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا.
البي بي سي
فبراير/شباط 2022،د.
وهو الأمر الذي أدى إلى إشعال العداوة بين روسيا من جانب، والاتحاد الأوروبي وبريطانيا من الجانب الآخر. وما أن جاء ترامب إلى سدة الحكم حتى صب الزيت على النار فزادت اشتعالًا، وذلك بمواقفه المنحازة تجاه روسيا والمتشددة تجاه الاتحاد الأوروبي والعدوانية تجاه أوكرانيا، فأعلن الاتحاد الأوروبي العداء السافر تجاه روسيا.
ومن جانب آخر، خلقت الحرب الأوكرانية تقاربًا بين روسيا والصين، وهو أمر مرفوض أمريكيًا، فكان لابد من معالجته، ويعتبر من أقوى المهددات للأمن الأمريكي. فإن أي تحالف بين روسيا والصين يعني الحرب العالمية الثالثة، على مقولة هنري كيسنجر.
من هنا جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب تهدف إلى فصل روسيا عن الصين بنفس الطريقة التي فصل بها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الصين عن الاتحاد السوفيتي.
موقع “بريتبارت”
26/2/2025
وقد رد عليه وزير الخارجية الصيني وانغ يي دون أن يذكره صراحة، قائلاً: “إن العلاقات الناضجة والمرنة والمستقرة بين الصين و روسيا لن تتأثر بأي تحول في الأحداث، ناهيك عن أن تكون عرضة للتدخل من قبل أي طرف ثالث”.
“شينخو” 7/3/2025
وبذلك، يكون ترامب قد أوقع الاتحاد الأوروبي في فخ العداوة لروسيا بتهديده بسحب الدفاع عن أوروبا، كما أوقع روسيا في الفخ عندما كان سخيا معها ، وذلك بالاستجابة لجميع مطالبها في أوكرانيا، و هذا بدوره يجذب روسيا بعيدًا عن الصين. كما أوقع زيلينسكي في الفخ الذي نصبه له في البيت الأبيض وأهانه أمام كاميرات الإعلام في مسعى لقبوله بشروط وقف إطلاق النار والتنازل عن المعادن الأوكرانية الثمينة، والفخ الآن منصوبا للصين وذلك للاستفراد بها في حربه التجارية القادمة معها.
و تعتبر سياسة ترامب في هذا الجانب امتدادًا لأسلافه مع التغير في الاسلوب، حيث كان المعتمد في السياسة الأمريكية رؤية أفلاطون “تكلم بصوت منخفض واحمل بيدك عصا غليظة”، إلا أن ترامب خالف ذلك فهو يتكلم بصوت عالٍ ويحمل بكلتا يديه عصا غليظة.
إن التأمل في الصراع الدولي يعيد ذاكرتنا إلى أيام الخلافة الراشدة التي قضت على دولتي الفرس والروم وتربعت على عرش الدولة الأولى في العالم، ثم جاءت الدولة الأموية التي حملت الإسلام إلى الهند والسند، ثم توسعت أيام العباسيين حتى قال الخليفة هارون الرشيد مخاطبًا الغمامة: “أينما تذهبين يأتيني خراجك”، وما إن تولى العثمانيون زمام الخلافة فإتجهت الفتوحات تجاه اوروبا حتى وصلت إلى أسوار فيينا.
وبالعود إلى حالنا اليوم نتساءل ألسنا خير أمة أخرجت للناس؟! فيأتي الرد سريعًا من حديثه صلى الله عليه وسلم ولم يدع اليأس يتسرب إلى نفسنا.
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها.”
فهلا شحذنا هممنا وقوينا عزائمنا وحققنا نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.