مقالات الرأي
أخر الأخبار

على حافة الوطن (١) … حين يتبدّل جلد الأفعى بقلم حياه حمد اليونسابي

على حافة الوطن (١) … حين يتبدّل جلد الأفعى

بقلم حياه حمد اليونسابي

قالها البرهان في بورتسودان: “زمن المجد للساتك ولّى، المجد للبندقية.”
كأنما يرثي زمنًا من الدخان والشعارات، ليعلن ولادة عصر لا صوت فيه يعلو فوق صوت الرصاص.

لكنها ليست جملة عابرة، بل رصاصة لغوية أصابت معسكرًا كان يفاخر بـ”اللساتك” المشتعلة على الأرصفة، وبالهتاف المرتفع في وجه البنادق. معسكرٌ غاب عن المشهد حين احترق البيت كله، لا لأن الثورة استُكملت، بل لأن الحرب بدأت تُفصح عن وجوهها، وبدأت البنادق تُسائل أصحاب الشعارات: أين أنتم الآن؟

أولئك الذين صرخوا يوماً باسم “الحرية والسلام والعدالة”، بعضهم اليوم ضيوف الفنادق في العواصم، أو شركاء الظل في تحالف مع الجحيم.
كانوا أول من فرّ حين قرعت الحرب طبولها، وتركوا الشعب يواجه أقداره بين السقوط تحت القصف أو الموت جوعًا أو النزوح إلى المجهول.

هم ذاتهم الذين مهّدوا الطريق.
تغاضوا عن تمدّد المليشيا، صافحوها، دعموها، وباركوا حضورها السياسي والمسلح.
وحين انقلبت عليهم، تباكوا على الثورة… وهم أول من خانها.

إنهم الأفعى التي تُبدّل جلدها كلما استشعرت الخطر. ينسلون من بين الأنقاض، ويعودون كلما هدأت البنادق، لينادوا من جديد بشعارات بالية أكلها السلاح.
وكلما خُيّل لنا أن الوطن يُشفى، عادوا لينهشوه باسم “المرحلة الانتقالية” أو “المشروع المدني” أو غيرها من واجهات الخداع اللفظي.

البرهان لم يكن يخاطب جماعة سياسية فحسب، بل يفضح عقلًا ظل يختبئ خلف “اللساتك” ليُبرر التحالف مع العنف المضاد للدولة.
واليوم، حين تحرق الحرب ما تبقى، يطلّون من الشقوق ليعيدوا نفس المشهد… ذات الشعارات… ذات الوجوه… ذات السُمّ.

على حافة الوطن، لم تعد المشكلة في من يحمل البندقية، بل في من يتقن ارتداء جلد الضحية، بينما يلدغ شعبًا بأكمله باسم الثورة.
والمجد، إذا كان ثمة مجد، فهو لأولئك الذين لم يفروا، الذين لم يتواطؤوا، ولم يبيعوا وطنهم بثمنٍ سياسي بخس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى