مقالات الرأي
أخر الأخبار

رمضان بين التراث المصري ومتطلبات السودانيين بمصر تقرير عاكفة الشيخ

القاهرة ١/ ٣ /٢٠٢٥ / سونا /

تقرير : عاكفة الشيخ بشير

مع دخول شهر شعبان يبدأ المصريون في الاحتفاء بالشهر الفضيل والتجهيز لاستقباله وفيه تنشط حركة الأسواق ويتم تزيين كل المساكن وجميع الشوارع بأشكال متعددة من الزينة المخصصة لشهر رمضان وتكتسي الشوارع والمساكن حلل رمضان البهية .

وأصبح تعليق الزينة في هذا الشهر الفضيل عادة عامة حيث يتم تزيين جميع الشوارع والعمارات والبيوت والحارات والأحياء في المدن والقرى بمصر ويتم ذلك من جميع طبقات المجتمع ، وترتبط زينة رمضان بالتراث الشعبي ويعمل الجميع صغارا وكبارا على تجهيز زينة الشوارع .

ويقال إن هذه العادة بدأت في العهد الفاطمي، حيث يتم تزيين المساجد بزينة فلكلورية متنوعة ومخصصة في الاحتفالات الدينية التي كان يُطلق عليها اسم “ليالي الوقود”، وهي ليالي الأول والنصف من شهري رجب وشعبان، فقد كانت المساجد تضاء بالقناديل والفوانيس ويتم صنع الأطعمة والحلوى .

ويقال أيضا أنها كانت تتم بأمر رعاة شؤون الأحياء كل في حيه حيث يأمر كل صاحب محل بتنظيف الشارع كل ليلة بعد صلاة المغرب في رمضان، ووضع القناديل والفوانيس أمام محله للإضاءة، بالإضافة إلى تزيين الشوارع، وذلك لأن أهالي مصر اعتادوا الخروج في هذا الوقت للاستمتاع بالإنشاد في الخيم الرمضانية مساءا والذي تعده المقاهي .

ويتم في رمضان تشغيل القرآن الكريم بأصوات عدد من المقرئين المميزين في مصر مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمود خليل الحصري ويتم بث أدعية الشيخ محمد متولي الشعراوي بجانب التواشيح الدينية وروائح البخور الذي ينبعث إليك من كل شارع ومحل .

وتقل حركة السير بالمدينة تدريجياً حتى تنعدم تمامًا في وقت المغرب حتى أذان العشاء وبعد الآذان تمتلئ الشوارع بالناس .

الأطباق الرمضانية في مصر :

المائدة الرمضانية في مصر متنوعة ويبدأ الناس بالإفطار بالتمر، مع شرب الحليب أو السوبيا ( مشروب من لبن جوز الهند) وقمر الدين ( مشروب من المشمش المجفف ) ويشرب البعض العصائر الطازجة كالبرتقال أو المانجو أو الليمون أو الشمام، وبعد العودة من صلاة المغرب يبدأ الناس في تناول الأطعمة التي تحتوي بجانب الفول على السلطات والمشاوي وورق العنب والفطائر بجانب أنواع من الحلويات كالبقلاوة وأم علي والمهلبية وبلح الشام .

ويعد الفول من أهم الأطباق التي تقدم في الإفطار في شهر رمضان بمصر ولا تكاد تخلو منه مائدة في رمضان وينتشر باعة الفول في كل مكان في مصر قبل موعد الإفطار ويقومون بقرع الجرس في بعض الشوارع لينزل الناس لشراء الفول ويحث الباعة الناس على السرعة في شراءه بعبارة يرددونها جميعهم 🙁 لو خلص الفول، أنا مش مسؤول) لحث الناس لشرائه قبل أن تنتهي الكمية المعروضة للإقبال الشديد عليه كطبق أساسي في الإفطار .

ويتم تحصيص اشكال معينة من المفارش والأواني المنزلية لشهر رمضان بالمحلات والمنازل عليها عبارة ( رمضان كريم ) ورسوم محددة يتم استخدامها كناية عن هذا الشهر. ويتميز رمضان في مصر بتقديم الاسر للدعوات لبعضهم البعض وتكثر فيه تجمعات ختم القرآن وتوزيع الصدقات وتنظيم موائد الافطار لإطعام الفقراء والمساكين وعابري الطرق الذين لم يسعفهم الوقت للوصول لوجهتهم فبل موعد الإفطار.

وتوزع المياه والعصائر للمتعجلين من المارة بالطرقات العامة الذين يريدون مواصلة السير مع قرب أو حلول موعد الإفطار ويتم في بعض المناطق إطلاق الألعاب النارية .

ياميش رمضان :

تشتهر مصر باستخدام الياميش في رمضان ويقصد به الفواكه المجففة والمكسرات ، والكلمة من اللهجة المصرية ويتم تناوله منذ القدم في رمضان بمصر ،وانتقل منها لدول أخرى والجمع بين المكسرات والفواكه المجففة يوفر وجبة مغذية وشهية وشبه متكاملة تحتوي على بروتينات ودهون وفيتامينات والياف ومعادن . وتقدم كطبق من اطباق التحلية أو كعصير .

مظاهر شعبية في رمضان خاصة بمصر :

الفوانيس :

تتميز مصر بمظاهر خاصة برمضان ومميزة ذات طابع شعبي من أهمها فوانيس رمضان والتي أصبحت طابعا مميزا لرمضان في مصر . وهي مصابيح ملونة اطلق عليها هذا الاسم منذ القدم ، ومع قرب شهر رمضان من كل عام يبدأ صانعوها العمل فيها في ورش مخصصة لهذا الغرض ويقال إنها تعود لاستقبال المصريين للمعز لدين الله الفاطمي في الخامس من رمضان في العام 358 هجرية . ومنذ ذلك الوقت ظل الفانوس رمز خاص بشهر رمضان في مصر ، وتوارثت الأجيال هذا التقليد من جيل إلى جيل، وحتى اليوم يقوم الأطفال والصغار بشرائه وحمله وتعليقه كزينة خاصة برمضان وينتشر في كل مكان طوال الشهر الفضيل . ويقال أن أحد الخلفاء الفاطميين أمر كل شيوخ مساجد القاهرة بإضاءة المساجد عن طريق فوانيس تضيء بداخلها فانوس صغير يعمل بالزيت تسمي بالفوانيس الإسلامية، كما يشاع أن النساء لم يكن مسموح لهن بالخروج من منازلهن إلا في رمضان يسبقهن صبي يحمل مصباح لتنبيه الرجال بحركة سير النساء في الطرقات لتفاديهن .

وتطورت صناعة الفوانيس من علبة من الصفيح بداخلها شمعة إلى فوانيس مصنوعة من قطع من الزجاج الأبيض أو الملون به فتحات يمر منها الهواء لتظل الشمعة مضيئة ثم أضيفت لها أشكال وزخارف . ثم تطور الفانوس ليعمل بنظام البطاريات واللمبات وتشكلت بعد ذلك أنواع عديدة ومختلفة منه بها رسوم لمشاهير ولكنه ظل مرتبطا بالشهر الفضيل .

وتخصصت بعض العائلات في صناعته وتوارثتها جيلا بعد جيل . ومن مصر انتقلت فكرته لأغلب الدول العربية كسوريا وفلسطين .

وعند إذاعة بيان تحديد موعد بداية شهر رمضان يخرج الأطفال في كل الأحياء حاملين الفوانيس مبتهجين بالشهر الفضيل يرددوا الترانيم والاغاني مطالبين في اهازيجهم الكبار من الأهل والجيران منحهم قطع الحلويات .

مدفع رمضان :

ويقال أن بداية إطلاق مدفع رمضان تم عندما كان أحد الحكام قديما يجرب مدفعا جديدا أهداه له أحد الولاة وبالصدفة وتزامن إطلاق الطلقة الأولى مع موعد الإفطار في أول يوم من أيام رمضان في العام 859 هـ فتوافد عليه الشيوخ والأهالي يشكرونه على إطلاق المدفع مع دخول وقت الإفطار فاستمر في إطلاقه فصارت عادة متبعة .

وفي رواية أخرى أن محمد علي الكبير والي مصر هو من كان يجرب مدفعا من المدافع التي استوردت من المانيا لتحديث أسلحة الجيش المصري فارتبط صوت المدفع بموعد الإفطار والسحور ويقال أن مكانه كان في قلعة صلاح الدين الايوبي .

وفي عهد الخديوي عباس في منتصف القرن التاسع عشر كان يتم إطلاق مدفعين للإفطار في القاهرة من القلعة ومن سرايا عباس باشا الأول بالعباسية وتم لاحقا التفكير في وضعه في مكان عالي ليكون مسموعا في جميع الارجاء فتم وضعه في جبل المقطم ويتم الاحتفال قبل بداية كل رمضان بنقله لجبل المقطم على عربة ذات عجلات ضخمة، ويتم إرجاعه بعد نهاية شهر رمضان والعيد إلى مخازن القلعة ثانية .

وأصبح المدفع فيما بعد أداة للإعلان عن ثبوت الرؤية فيسمع الناس صوت المدفع دلالة عن ثبوته وتطلق 21 طلقة خلال أيام العيد الثلاثة . وتوقفت هذه العادة بعد ظهور الراديو وأصبح يتم بث تسجيل صوتي له عبر الراديو ومن ثم عبر التلفزيون مع حلول موعد الإفطار يوميا .وفي العام 1983 م تقرر أن يتم بث الإطلاق على الهواء مباشرة من قلعة صلاح الدين يوميا طوال شهر رمضان .

وحفاظا على الآثار وبطلب من هيئة الآثار المصرية وخوفا من التأثير السالب على العمر الافتراضي لها بسبب الاهتزازات الناجمة عن إطلاق المدفع حيث تعد المنطقة متحفا مفتوحا للآثار الإسلامية وتضم قلعة صلاح الدين و الجامع المرمري وجامعي السلطان علي والرفاعي ومتاحف القلعة الأربعة فتم نقل مدفعين من المدافع الثلاثة الباقية من أسرة محمد علي لجبل المقطم ووضع المدفع الثالث كمعلم سياحي في ساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين يطل من ربوة مرتفعة على القاهرة .

ومع ثبوت شهر رمضان يطلق الصغار الألعاب النارية في الأحياء ويطلقون أصوات المدافع من العابهم التي يتم تجهيزها لهذا الغرض .

صلاة التراويح :

عندما يحين موعد صلاة التراويح في مصر يخرج الناس في كل الشوارع فرادى وجماعات يقصدون المساجد التي تمتلئ بهم وتفيض ساحاتها بالرجال و النساء شيبا وشبابا وتخصص أماكن للنساء بالمساجد . وتشهد المساجد في العشر الأواخر من رمضان إقبالا كبيرا على صلاة التهجد، التي تمتد من منتصف الليل حتى وقت السحور، ويكثر الاعتكاف في المساجد ويتم تنظيم أنشطة دينية رسمية من خلال وزارة الأوقاف والأزهر وغيرهما، مثل: قوافل الدعاة، وتتم المشاركة في إحياء الليالي الرمضانية في مختلف الدول.

المسحراتي :

وكلمة المسحراتي مشتقة من كلمة سحور، والمسحراتي كنية لوظيفة الشخص الذي ينبه الصائمين بدخول وقت السحور .

وفي عهد الرسول ( ص ) كان بلال بن رباح مؤذن الرسول ( ص ) يخرج ويطوف قبل صلاة الفجر مع ابن أم مكتوم لإيقاظ الناس، ويؤذن في الشوارع والطرقات طوال شهر رمضان ، فيتناول الناس السحور، في حين ينادي ابن أم مكتوم فيمتنع الناس عن تناول الطعام لدخول وقت الإمساك .

وفي مصر منذ زمن بعيد كان والي مصر العباسي اسحق بن عقبة أول من عمل على إيقاظ الناس للسحور حيث كان يطوف بالشوارع ليلا على قدميه في رمضان من مدينة العسكر في الفسطاط، إلى جامع عمرو بن العاص لإيقاظ الناس لتناول طعام السحور .

وفي عصر الدولة الفاطمية كان الحاكم يأمر الناس بالنوم الباكر عقب صلاة التراويح وكان الجنود يمرون على البيوت لإيقاظ الناس للسحور ولاحقا تم تعيين شخص للقيام بهذه المهمة اطلق عليه اسم ( المسحراتي ) بضرب الأبواب بعصا وينادي : (يا أهل الله قوموا تسحروا ) .

وكان بن نقطة مسحراتي خاص بالحاكم قام بتطوير وسائل للقيام بهذه المهمة باستخدام طبلة يدق عليها دقات منتظمة وتطورت كمهنة فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية وقصص ويصيح بصوت مرتفع :

اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم.. وقول نويت بكره إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحى يا نايم وحد الرزاق .

أغاني رمضان :

خلال شهر رمضان تجد الأغاني التي تم نظمها منتشرة يتم سماعها وترديدها في كل مكان وتسجيلها على الفوانيس والألعاب منها :

أغنية حالو يا حالو :

حالّو يا حالّو رمضان كريم يا حالّو.. حل الكيس وادينا بقشيش، لا نروح ما نجيش يا حالو.. لياليك الحلوة الزينة ع الجمهوريه هلوا .

وارتبطت هذه الأغنية التي تغنت بها المطربة صباح بفانوس رمضان الذي يحمله الأطفال مضاءً وهم يتغنون بها .ولاحقا أصبح يتم تسجيلها على الفوانيس .

وحالو كلمة قبطية تعني الشيخ أو الرجل المتقدم في السن . وحل الكيس وادينا بقشيش معناها افتح المحفظة وادينا فلوس . وكلمة الكيس تعني المحفظة في اللغة الفارسية بينما تعني كلمة بقشيش هبة أو عطية باللغة التركية .

أغنية رمضان في مصر حاجة تانية :

رمضان في مصر غير الدنيا طعمه بطعم النيل …

رمضان في مصر حاجة ثانية والسر في التفاصيل

في كل حتة بتمشي فوانيس وزينة في الشارع

أغنية وحوي :

وتختلف الروايات حول معني لفظة «وحوي» ويرجعها البعض إلى أصل فرعوني لترحيب المصريين بالملكة «إياح حوتب» وآخرون يعتقدون أنها موروثات المصريين القدماء للترحيب بالقمر في بداية كل شهر .

وتقول كلماتها :

وحوي يا وحوي (إياحة).. وحوي يا وحوي.. (إياحة)

روحت يا شعبان.. (إياحة).. وحوينا الدار جيت يا رمضان

وحوي يا وحوي.. (إياحة).. هل هلالك والبدر اهو بان (يا الله الغفار)

شهر مبارك وبقاله زمان (يا الله الغفار)

أغنية رمضان جانا :

رمضان جانا.. وفرحنا به بعد غيابه.. وبقاله زمان

غنوا وقولوا شهر بطوله.. غنوا وقولوا أهلا رمضان

بتغيب علينا وتهجرنا.. وقلوبنا معاك.. وفي السنة مرة تزورنا وبنستناك

السودانيون بمصر ورمضان :

يأتي شهر رمضان في ظل الحرب في السودان وتوافد أعداد كبيرة من السودانيين لمصر ويعيش العديد من السودانيين الأجواء الرمضانية التراثية والشعبية التي تبدو في كل أنحاء مصر مع العمل على توفير المتطلبات التي تجعلهم يستحضرون الأجواء السودانية لرمضان الذي اعتادوا عليه في السودان منذ القدم بما فيه من نكهة التراث السوداني وأنواع الطعام الذي تعمل الاسر على توفيره خاصة . وعمل أصحاب المحلات من السودانيين الذين يزاولون مهنة التجارة في مصر على توفير احتياجات السودانيين التي يحتاجونها سيما في رمضان فنجد أن معظم محلاتهم عملت على توفير دقيق الذرة والقمح الذي يتم استخدامه في رمضان لصنع القراصة والعصيدة وهما من أنواع الطعام الذي يعد من الموروثات الشعبية ويتم اكلها في إفطار رمضان بصورة شبه يومية ، كما عملوا على توفير الدخن الذي تتم صناعة العصيدة منه والتي يتم تناولها مع الزبادي أو الحليب في السحور . كما تم توفير الدكوة ( زبدة الفول السوداني ) التي تستخدم في السلطات وزيت السمسم الذي يستخدم مع الفول المصري . وعملت هذه المحلات على توفير احتياجات صنع العصيدة كـ ( المفراك ) وهو أداء مصنوعة من الخشب يتم تقليب العصيدة به وحلة (البرمي ) التي تساعد على استوائها بسهولة وأنواع من المقلاة التي يتم صنع الـ (قراصة) بها .

وعملت النساء على توفير البامية الجافة والبصل الجاف واللحم الجاف في الأسواق لاستخدمهما للطبيخ الذي يؤكل مع العصيدة والمشروبات الشعبية السودانية المخصصة لشهر رمضان كالحلومر والآبري الأبيض والفطير الجاف الذي يستخدم في السحور . واشتهرت بعض النسوة في هذا المجال وفق ماركات محددة ومسميات أصبحت معروفة للنساء بجودتها .

انتهى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى