اخبار عالمية
أخر الأخبار

الانتقال من الحرب إلى السلام

الانتقال من الحرب إلى السلام

ميادة سفر، تكتب

بعد سنوات من تصاعد التوترات والمواجهات الساخنة عبر الحلفاء والوكلاء، تجلس إيران والولايات المتحدة الأميركية على طاولة المفاوضات وجهاً لوجه، وكل منهما يضع يداً على الزناد، والأخرى تحمل القلم للتوقيع على “صفقة”، ستكون تأثيراتها ذات أبعاد تاريخية، لأن الخلاف بين الطرفين يمكن تسميته ببساطة بالمعضلة التاريخية، وبقدر ما يظهر الطرفان جنحهما نحو التسوية أحياناً، يتكشف في الخلفية أن الطرفين يتحضران بجدية للحرب في كل حين.
تدرك إيران أنّ التفاوض مع إدارة ترامب هو غير التفاوض مع إدارة باراك أوباما، الذي وقع اتفاقية “خطة العمل الشاملة المشتركة” مع إيران مع العام 2015، إلى أن انسحبت منها في العام 2019 بقرار من الرئيس ترامب، من هنا تأتي أهمية المفاوضات التي انطلقت اليوم السبت الثاني عشر من نيسان في سلطنة عمان، خصوصاً بعد إعلان ترامب سعيه ورغبته في إحلال السلام وإنهاء “الحروب الأبدية” سواء أثناء حملته الانتخابية أو في خطاب القسم.
كانت إيران قد أعلنت في وقت سابق على تصريحات ترامب، استعدادها للتفاوض على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة الأميركية، حين انتخب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، هذا الأمر دعمه آنذاك المرشد الأعلى السيد خامنئي، لكنّ هذا تبدل حين وقع ترامب مذكرة رئاسية تفرض عقوبات الضغط الأقصى على إيران في الشهر الماضي، حين أعلنت القيادة الإيرانية التراجع عن الاستعداد للتفاوض، وقال الرئيس مسعود بزشكيان: “إيران لن ترضخ للضغوط الخارجية ولغة التهديد والإكراه غير مقبولة إطلاقاً، ولا يأتي أحدهم ويقول لا تفعل هذا، لا تفعل ذاك، وإلا لن آتي للتفاوض معك، إذن افعل ما تشاء”، لكنّ المفاجأة كانت حين أعلن الرئيس ترامب أنّ الولايات المتحدة وإيران ستلتقيان لإجراء “محادثات مباشرة”، وأنّ مبعوث ترامب ستيف ويتكوف سيقود الوفد الأمريكي، بينما يقود وزير الخارجية عباس عراقتشي الوفد الإيراني.
على الرغم من التهديدات المتبادلة بين الطرفين وتصريحات الإيرانيين المتواصلة لا سيما أثناء حرب غزة الأخيرة عن الرد القاسي في حال تم استهداف منشآتها النووية والعسكرية، إلا أنها لطالما تركت الباب موارباً للعودة إلى طاولة التفاوض، لا سيما أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تستهدف إيران بشكل مباشر وإنما عن طريق إسرائيل التي تترقب حالياً ما يجري بين الطرفين بعد مفاجأة رئيس وزراءها بعودة الحديث عن احتمال عقد صفقة حول الملف النووي.
مع استعداد إيران للتفاوض على قيود على برنامجها النووي يمكن التحقق منها، مقابل تخفيف العقوبات وفتح الباب أمام عودة العلاقات مع الغرب، إضافة إلى أنّ طهران أكدت أنها لا تملك برنامجاً للأسلحة النووية، وهو تأكيد تتفق معه أحدث المعلومات الاستخباراتية الأميركية، كذلك كشف التقييم الأميركي السنوي للتهديدات لعام 2025 الذي نشر مؤخراً عن مجمع الاستخبارات، بأنّ إيران “لا تبني سلاحاً نووياً”، وأنّ السيد خامنئي لم يُعد تفويض برنامج الأسلحة النووية الذي علّق في العام 2003.
وبصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، تتمتع إيران بحق غير قابل للنقد في برنامج مدني سلمي يستخدم الطاقة النووية، وهو ما تصّر عليه طهران ولن تتنازل عنه باعتباره حقاً مكفولاً بموجب القوانين الدولية ونص المعاهدة. لكنّ ثمة مشكلة، إذ أوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز مؤخراً، عن أنّ موقف الولايات المتحدة هو أنّ على إيران تفكيك برنامجها النووي المدني، وقال إنّ الولايات المتحدة تطالب “نزع البرنامج النووي بالكامل وإلا ستكون هناك عواقب”.
وإذا أصّرت الولايات المتحدة، كما أشار والتز، على ضرورة تخلي إيران عن “برنامجها الصاروخي الاستراتيجي”، الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها الدفاعية، ومن غير المرجح أن تقبل إيران أن تتضمن المفاوضات قوتها الصاروخية، وإلا سيعتبر ذلك عرقلة لمسار التفاوض الذي يدور حول الملف النووي تحديداً.
لا شكّ أن عودة الولايات المتحدة الأميركية وإيران إلى فتح باب المحادثات نهاية الأسبوع الماضي وإن بشكل غير مباشر عبر الوسيط العُماني، يعتبر تقدم إيجابي ومهم، لا سيما في ظلّ الأحداث المتلاحقة في الشرق الأوسط وتحديداً في فلسطين والتغيير الذي حدث في سوريا نهاية العام الماضي مع سقوط نظام بشار الأسد الحليف التاريخي لإيران، رغم أنّ المراقبين يعربون عن تفاؤل حذر يبرره التاريخ الطويل من توتر العلاقات بين الطرفين منذ انطلاق الثورة الإسلامية في إيران عام 1978.
ما سيحدد فرص نجاح المفاوضات هو أن يقتنع الطرفين بأجندة حيوية، بمعنى المرونة، ومسؤولية واشنطن في هذا التوجه أكبر من مسؤولية إيران، وإذا استمرت المفاوضات محصورة حول القيود القابلة للتحقق على البرنامج النووي السلمي المدني الإيراني، فستمضي نحو النجاح، أما إذا أصرت إدارة ترامب على تفكيك البرنامج النووي المدني القانوني لإيران بالكامل، فسوف تفشل.

وهذا ليس من مصلحة الولايات المتحدة ولا إيران بالتساوي، وخلفهما منطقة الشرق الأوسط والعالم على الأرجح.
فالمفاوضات التي بدأت بين الطرفين تجري في ظل تغير في موازين القوى والتحالفات الدولية عمّا كانت عليه في السابق، فضلاً عن تغير مواقف الكثير من الدول لا سيما دول الخليج التي لم يعد من مصلحتها ولا هي راغبة في ضرب إيران وزيادة التوتر في المنطقة الأمر الذي سينعكس سلباً على أوضاعها الأمنية والاقتصادية على حد سواء، وما الوساطة العمانية (الخليجية) إلا مؤشر على رغبة الدول بتهدئة الأوضاع والتوصل إلى صفقة بين الطرفين ستكون صفقة القرن إن تمت وانهت الصراع المحتدم منذ عقود بين كل من الولايات المتحدة وإيران.
بينما تحضر الدول العظمى روسيا والصين في المشهد، فقد شهدت العلاقات الإيرانية الصينية تحسناً كبيراً في السنوات الأخيرة، وصل إلى حدود الشراكة والتفاهم مع رفض الصين استراتيجية الضغط التي تمارسها الولايات المتحدة على إيران، واستمرارها بشراء النفط الإيراني وعدم تقيدها بالعقوبات المفروضة من قبل واشنطن، وصولاً إلى توقيع الصين وإيران اتفاقية تعاون استراتيجي مدتها 25 عام في آذار/مارس عام 2021، لذلك يبدو جلياً دعم الصين وترحيبها بعودة المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، لأن احتمال الفشل والدخول في حرب بين الطرفين من شأنه أن يسبب كوارث اقتصادية كبيرة في حال اغلاق مضيق هرمز الذي قد يسبب انهيار الاقتصاد العالمي بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط حينها.
وليست روسيا ببعيدة عمّا يجري في الشرق الأوسط رغم انشغالها بالحرب الأوكرانية، إذ تربطها علاقات استراتيجية مع إيران، وسبق أن وقع الطرفان اتفاقيات في عدة مجالات منها الاقتصاد والنقل وغيرها من مجالات من شأنها أن تتأثر سلباً أو ايجاباً مع نجاح أو فشل التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي.
كل تلك المؤشرات والعوامل تدفع في اتجاه العمل على إنجاح المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، ويبدو أنّ الجلسة الأولى التي عقدت يوم السبت الماضي كانت بمثابة اختبار لنوايا الطرفين نجحا في تجاوزه، وفقاً للتصريحات الإيجابية التي أدلى بها وفدي التفاوض عقب انتهاء الاجتماعات وتحديد موعد استئنافها في19 نيسان الجاري، وإن بدت إسرائيل في خلفية المشهد قلقة مما يجري بسبب رغبتها في القضاء على أية قوة تهدد أمنها في المنطقة، إلا أنّ إدارة ترامب قادرة على كبح جماحها وتقييدها، لأن أي اتفاق ستتمخض عنه المفاوضات من شأنه أن يحل السلام في المنطقة أو على أقل تقدير يبعد شبح الحرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى